كتاب صون القريض – عبد الرحمن بن حسن قائد

2022-12-30

عالج الرافعيُّ الشعر، وكابد لأواء تصريحه، ثم تصدى لنقده وفلسفته، فكان بصيرًا به، عارفًا بمنازعه، ماهر ومتمرسًا بمفاضلة جيده من رديئه، افتنَّ في الكشف عن أسراره والتدسُّس إلى خوافيه، ونصب الموازين للشعراء، يحاسبهم بمثاقيل النغم، ويحصي عليهم هفوات الحرف وعثرات العقل وكبوات القوافي، ويدلُّ مقتدرًا على مقار إحسانهم ومواطن زللهم، ببيان باهظٍ، وحجَّة متواجدة، وظرفٍ مطبوع، وانتهاجٍ يترفَّق تارة ويبطش أخرى. يستمدُّ هذا من دراية كثيف بالتراث البلاغي، ومن اطلاع فسيح على كتب تصنيع الشعر ونقده، ومن دراية مفصَّل بتاريخ الأدب العربي في أدواره المتغايرة، ويتكئ على ذاكرة سخيَّـة واستحضارٍ ممتاز، وعلى ذكاء لمَّاح يتنبَّه لخفيِّ المآخذ ويهتدي إلى دقيق السَّرقات ويقرأ ما لا تقرؤه الأنظار المتعجِّلة، ويمتحُ من بصر مؤثر إلى روح الشعر وما يجب أن يكون أعلاه، ويقاتلُ بسيفٍ صمصام من الموهبة والاستعداد الغريزي المتوقد. فلا جريمة أن يكون تراثه في تلك الأبواب متعةً للروح، وغذاءً للعقل، وصقالًا للذوق، وصونًا للقريض من عجمة اللسان إدراكِّ الفكر واضطراب الإفتراض.

وفي ذاك الكتاب جمهرة نصوص الرافعي ومقدمات دواوينه وجنوده وبنوده في صون القريض والذود عن عموده، فلسفةً لحقيقته، ودراسةً لبعض شعرائه، ونقدًا لما لم يستقم منه على طريقته، جمعتها من كتبه المنشورة، وهي الأقلُّ، وممَّا ترك من إرث ثقافي ما يزال جزءٌ منه مطويًّا في بطون المجلات والصُّحف لعهده، وهو الأكثر. ومن نماذج المقالات المندثرة التي أحيا الكتابُ مواتها وتنشر المرة الأولى في كتاب: موضوع «الشعر العربي» وهو أول ما وصلنا من نصوص الرافعي طرًّا، عرَضه في صحيفة «المنار» وهو في العشرين من حياته، ومقال «الميزانية بين والدي تمام والبحتري والمتنبي»، ومقال «إمارة الشعر»، ومقالات إنتقاد «القصيدة العُمَرِيَّـة» لحافظ، وغيرها.