كتاب سلام أسود – أية شعيب

2022-12-24

هل جربتَ أن تجلس في الظلام لمدة، وحينما تشاهد النورَ مكررا، تجده ساطعًا بقوة، ولا تألفه عينُك مرةً أخرى سوى عقب حين؟

وفي خضّم هذه العملية، ربما جدًّا أن تتبدل الأسلوب والكيفية التي تنظر بها للأشياء ذاتها من حولك. مثل غلام ضئيل واهنِ البصر، حياته قليل من سنين، وهو -قطعًا- لا يفهم أن نظره هشٌ، فلا يشتكي ولا يطلب المعاونة. وحين يلبس نظارةً للمرة الأولى، يشاهد بوضوح، بعدما أمضى أُولى سنين وجوده في الدنيا معتقدًا أن الطبيعي هو أن تكون الألوان باهتةً، وأن تكون الموضوعات غيرَ متضحةٍ إجماليًّا.أؤمن جدًّا أنه ليس هنالك أي ثوابت في أي شيء، لا الحبّ راسخٌ ولا الكُرهُ متين. لا تدوم العواطف، لكن إنها قد تفنى وقد تُستحدَث من العدم.

أنت اليوم مغرَمٌ بذاك الواحد، هذه الأغنية، ذاك اللون، هذه الصحبة، وغدًا أنت واقعٌ في غرام فرد أجدد، ومقطعٍ أحدثَ من أغنية أخرى. أنت اليوم أميل إلى لونٍ عصري وأصدقاء جُدد. أنت حاليا تتألم بقوة من الضياع، وأنت أيضًا مَن سيضحك بقوة فيما بعد. وكنت تتصور أنهم لك الدنيا وما فيها، وأن لا حياةَ بعدهم. وسواء كنتَ تعرف علة التحويل أم لا، فهو قد وقعَ وسيستمر ينشأ، ولن يتوقف عن الحدوث. وايضا هي السفرية التي نقضيها في وعى الدنيا، وفي السير صوب المجهول؛ فنحن بطبيعة الشأن نحب أن ندوّن الأحلامَ وأن نخطط للأشياء، وأن نحط الجداول، وسعى الخطوط أسفل العناوين، نُرقم المهماتَّ والصفحات، ونُذيلها بالتواريخ!