أحدث تحميلات الموقع فكر وثقافة وإيديولوجيا كتب تاريخ

كتاب الشيخ والتنوير – نادر كاظم

2022-12-30

بصرف النظر عن لزوم الحقبة التي تنبسط منذ النصف الـ2 من القرن الـ9 عشر حتى النصف الأولى من القرن العشرين في تاريخ الثقافة الجديدة في بلد مثل البحرين وبقية بلدان الخليج، فإن الانتباه بتلك الحقبة كان محدوداً، أما الانتباه الجادّ والمتقصي فيكاد يكون منعدماً. ومن هنا يحصل على كتاب “الشيخ والتنوير” لنادر كاظم أهميته المختصة، فالكتاب يمثّل مسعى جدية للحفر المتقصّي في الطبقة التحتية الأولى من طبقات تاريخ التنوير في البحرين والخليج. يسعى الكتاب إرجاع تجميع التوجه التاريخي للتنوير في البحرين وهو يرتكز على أرشيف ممتد من المستندات والصور، ويقرأ التنوير البحريني في سياق تشابكه واتصاله الوثيق مع التنوير العربي ومن الجهة الغربية في آن فرد.

يتبنّى الكتاب مفهوم التّنوير الذي صاغه إمانويل كانط في مقالته القصيرة والشّهيرة والتي أتت كجواب عن سؤال “ما التّنوير؟” (1784). وحسب كانط فإنّ التّنوير “هو مغادرة الإنسان من القصور الذي هو مسؤول عنه”، والمقصود بالقصور هنا هو عجز الإنسان عن استخدام فكره دون وصاية أو توجيه أو إرشاد من واحد من أو من ناحية ما. إنّ التّنوير، على ذاك التّعريف، يشير إلى الإعتاق الفكريّ والشّجاعة والجرأة على الاستيعاب واستعمال الإنسان لعقله دون وصاية، وهي ظرف تقع على الضّدّ من الانسياق الأعمى خلف وجهات نظر الآخرين وآرائهم كما ينساق القطيع. وحسب كانط فإنّ شارة التّنوير هو التّالي: “تجرّأ إلى أن تعرف، وكن جريئًا في استخدام عقلك أنت” لا دماغ الآخرين.

وعلى مجال (520 صفحة) يعيد قليل وجوده كاظم قراءة تاريخ التنوير في البحرين من رأي مغاير، وعبر ذلك المفهوم الكانطي للتنوير، وبواسطة قراءة رصينة ترتكز على مساهمات ثلاثة من رواد التنوير وشيوخه: الشّيخ إبراهيم بن محمّد الخليفة، شيخ التّنوير في البحرين، والذي يمثّل الضوء الأضخم في تاريخ التنوير (بالمعنى الكانطي)، ولذا عبر مطالبته المستديمة بمجاراة روح العصر والانفتاح على العالم، وعبر شغفه العظيم بالكتب والمجلات العصريّة التي ما كانت تجيء، آنذاك، لأحد في البحرين سواه، وعبر إستحداث الميدان العام المحادثة الأوّل في البحرين (منتدى الشّيخ إبراهيم الثقافي)، والمكتبة العصرية الأولى، ووكالة جلب الكتب الأولى، ومدرسة التّعليم العصريّ الوطنيّة الأولى (مدرسة الهداية الخليفية). وهو المعنى التنويري نفسه الذي إتخاذ أبعادًا أعمق وأوسع مع ناصر الخيري، شيخ المؤرخين البحرينيين وأحد أكثر أهمية روّاد منتدى الشّيخ إبراهيم وأكثر المثقّفين البحرينيين جرأةً وتحرّرًا فكريًّا طوال النّصف الأوّل من القرن العشرين. أمّا الشّيخ الأزهريّ محمّد خيّر خنجي، القريب من الشّيخ إبراهيم وزميل ناصر الخيري في “فرقة رياضية إقبال أوال اللّيليّ”، فهو ذو أوّل وأجرأ مسعى في تأصيل التّسامح دينيًّا.