كتاب الحضارة البابلية – خزعل الماجدي

2022-12-27

ذاك الكتاب هو التعليم بالمدرسة العلمية الأولى للحضارة البابلية في اللغة العربية، وهو يلقي الضوء بالمعلومات والشرح والتحليل لـ 5 عشر مكوناً من مركبات تلك الحضارة، إذ تتجلى المكونات المالية بإرثها المحسوس في الهيئات الخارجية (تضاريس الأرض، السياسية، العسكرية، الاستثمارية، النقدية والطاقة، العلمية)، وتناظرها المركبات الثقافية في الهيئات الخارجية (التاريخية،

الشرعية، المدنية، الأدبية – الفكرية، النفسية، الدينية، الفنية)، لتكوّنا كفتي ميزان الحضارة الذي تضبط توازنه (الأخلاق) وتوازن مركباته المالية والثقافية، كل عنصرٍ من تلك المكونات يبحثها فصلٌ من فصول الكتاب في أدق تفاصيله.
ولكي تكتمل صورة الحضارة البابلية كان لا مفر من فصل تمهيديّ يعتني بالتعريف ببابل وشعوبها وأسمائها والعلم والأبحاث الأخصائية التي بحثت فيها والعلماء الذين ساهموا بذاك، وقد كان يتحتم أن فصلٍ نهائي يحاول أن معايرة وتثمين ونقد تلك الحضارة

والبحث عن ما تفرّدت به دون غيرها. الفصول السبعة عشر للكتاب تمنح صورة عن الحضارة البابلية لم تُعطها كتبٌ أخرى، في ذاك الميدان، بمثل ذلك التنوع والقعر، ولذلك نقول إنه كتاب مودرن بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وهو كتاب متفرّدٌ في حقله. الصورة المؤسفة التي قدمتها الأديان الإبراهيمية الثلاثة عن بابل خالفت الحقيقة التي كانت فوقها بابل من كل الإتجاهات الحضارية. فعلى مجال زمن بعيد في الفائت، ينبسط لنحو ألفين عاماً، وحتى قرن ونصف القرن إلى حد ماً، من حاليا، إستمرت صورة بابل في التوراة هي المهيمنة على أذهان الناس في الشرق والغرب، ولقد كانت بابل بلاد السحر والاستخراج التي يسودها عالم شرير تعجُّ به الشياطين والعفاريت والمعوّذين والسحرة.
أفلت بابل بل صورتها الزانية والفاجرة التي رسمها هؤلاء لم تأفل، ولم يغيّر، تلك الصورة، إلا علماء الآثار الذي بدأوا منذ منتصف القرن الـ9 عشر بجلاء حقيقة بابل وحضارتها. لم تتحول الصورة لاغير، إلا أن أن الغربيين صُعقوا يوم عرفوا أن الكتاب المقدس الذي

كان يهجو بابل ويشتمها مغروسة جذوره ومادته الدينية فيها بالضبط، ثم اختتمت تلك المهزلة حين عرفوا أن مؤلفي التوراة والتلمود كتبوا في بابل مستنسخين تراثها وناسبين ذاك الإرث الثقافي لهم ولشعب لم تكن له شكل وجه سوىً بعدما مأوى في بابل وعاش من خيراتها الطبيعية والاقتصادية والمعرفية، وكوّن دينه فيها.