كتاب أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية – محمد بن المختار الشنقيطي

2022-07-10

يأكل ذاك الكتاب صفحة من صفحات تاريخ الأواصر بين السُّنّة والشيعة في لحظة حرجة من عمر أمة الإسلام، وهي حقبة الحروب الصليبية التي استمرت قرنين من الزمن. ويسعى الكتاب إلى تقصي مهام ثلاث هي: تقديم سرد تاريخي لمسار الروابط السُّنّية الشيعية طوال الحروب الصليبية، أكثر دقة وتركيباً، وأدنى تبسيطاً وحِجاجية، من السرد السائد حالاً. وبيان أثر الحروب الصليبية على تطوّر الأواصر السُّنّية الشيعية في تموّجاتها وظلالها المتغايرة، بتنبيهٍ للتفاصيل وتجنّبٍ للتعميم. وتفكيك الذاكرة التاريخية المتوازيةلدى السُّنّة والشيعة في ذلك المضمار.
فالكتاب سعيٌ لترميم الذاكرة التاريخية بتقريبها أكثر من الواقع التاريخي، وتغيير تاريخنا –بوجهيْه المضيء والقاتم- إلى ماضٍ حيٍّ يزخر بالعبرة والخبرة، بعدما حوَّله آخرون إلى ذخيرة متفجِّرة تدمِّر القائم وتلغِّم المستقبل. فلن تخرُج أُمَّتنا من الطريق الذي قادها إلى الجهالة الطائفية والهمجية السياسية التي تعيشها اليوم، سوى إذا أدركتْ كيف دخلتْ ذاك الطريق المُعتم ابتداءً.
ولو أنه من قدوة من وقائع الزمان الماضي المبسوطة في تلك التعليم بالمدرسة، ومن تاريخ الصلات السنية الشيعية على العموم، فهي أن الجدل الديني لا يتحوَّل فتنة سياسية وصراعاً عسكرياً سوى إذا لابَسَه بغيٌ. وإذا كانت مقابلة البغي إنفاذ وفضيلة، ولا مفرَّ من دفْع الصائل، وردْع المتواطئ برفقته من ضِمن حصوننا المهدَّدة.. فإن المسوِّغ القانونيِّ لقتال الغير عادل هو ظُلْمه، لا دينُه أو مذهبُه أو طائفتُه.
فليس الحل في الاستجابة إلى الطائفية بطائفية. فثقافة الطائفية والثأر الأبديِّ قد تُعِين على الانتقام، أو على تحويل ميزان القوى الظرفي، لكنها لا تبني مجتمعات الإنصاف والحرية التي تسَع جميع أهلها بمختلف مشاربهم ومذاهبهم. وإنما تنهزم الطائفية بنقْض المنطق الطائفي من أساسه، وبانتصار الشخص الحُرِّ على الجماعة المُغلَقة، لا بانتصار طائفة على أخرى. أما العلاج الشافي للطائفية الذي لا علاج سواه، فهو الإنصاف والحرية للجميع، دون ازدواجية ولا مثْنَوية.