رواية كيفما اتفق – جوان ديديون

2022-04-22

لا ينفكُّ كُلُّ إنسانٍ، في تلك الحياة، يُصارعُ أمواجَ بحرِ أسئلتِها على مدارَ عُمُره، فإمّا أن يقهَرَها ويُلهَمَ الأجوِبَةَ الشّافيةَ فيَصِلَ في النهايةً إلى برِّ السكينةِ، وإمّا أن تستهلِكَهُ الأسئلةُ وتفِرَّ منهُ أجوِبَتُها فينتهي بهِ الوضعُ مُضعّماً فوقَ أحجارِ الشاطئ.
غيرَ أنَّ بطلةَ تلك القصّة، ماريا وايث، اتَّخَذَت طريقاً قلَّ سالكُوه: فاختارَت ألّا تدخُلَ البحرَ، وأن تعتزِلَ الصِّراع وتكتفي بعَيشِ الحياةِ مثلما هيَ، لأنّها تؤمِنُ بأنَّ أسئلةَ الحياةِ لا أجوبةَ لها – وإن وُجِدَت أجوِبةٌ، فإنّها لن تعدو كونَها نسبيّة وغيرَ متّفقٍ فوق منها. مثلما تؤمِنُ بأنَّ الغرض من الحياةِ مفقودة، والمعنى غائب.
وكما أفادَ شكسبير: ما الحياةُ سوى مسرحٌ ضخمٌ، وما النّاسُ سوى ممثّلون. أو مثلما صرحت ماريا، عن أبيها: ما الحياةُ سوى طاولة قِمارٍ، وما الناسُ سوى لاعبون. ولذلك، فإنَّ درسَ الحياةِ الأعظَم، هوَ أن يتواصلَّ الإنسانُ الفَطِنُ في اللَّعِبِ كيفَما اتَّفَق، وأن يسلُكَ ممرَهُ القرارَ لهُ في الحياةِ دونَ أن يُعَسّرَه. وذلك تحديدا ما التزَمَت بهِ البطَلَة. اصدرَت الكاتبة الأمريكيّة المشهورة: جوان ديديون تلك القصةَ، التي صنَّفَتها مجلّة التايم في حين عقبُ داخلَ أرقىِ مئة حكاية بريطانيّة، عام 1970 . وحُوِّلَت في سنة 1972 إلى عمل سينمائي هوليوودي شارَكَت ديديون في كتابةِ موضوعّهِ السينمائيّ مع قرينِها جون دون. والجديرُ بالذِّكرِ، أنَّ للروايةِ رُواةً عِدّة: ماريا: التي تفتَحُ أمامنا نحنُ القرّاءَ بابَ الرّواية. هيلين: التي تُطلِعُنا على جانِبِها المُثيرِ من القصّة. كارتر: الذي يُطلِعُنا ايضاً على جانِبِهِ من القصّة. الغائِب: وهوَ صوتُ الكاتبةِ ذاتِها –ديديون– ربّما. ومِنهُ نعرِفُ كلّ التفصيلات. أثارت القصةُ جدلاً واسِعاً بينَ قُرّائها ونُقّادِها وتفاوتت الافكارُ بخصوصَها، بيدَ أنَّ الجميعَ اتّفقوا على قضىٍ واحِدٍ، وهوَ أنّ القصةَ عسيرة ومُجهِدة (ليست عسيرةَ القراءة، إلا أن شاقةَ الاحتمال). وربَّما يُدرِكُ القارئُ هذاَ طوالَ قراءتِهِ للروايةِ، وبعدما يُنهيها.
إنَّ تلك الحكايةَ قد لا تُبهِجُ قارِئَها، إلا أنّها –دونَ ريبٍ– ستُحاجزِثُ فيهِ أثراً وتترُكُ صورة ختم إصبع.