رواية عراف القرية – محمد سيد

2022-12-24

يجلس الولد (المعتصم) ابن الأربعة عشر عامًا، شاردًا على مكان للجلوس مهترئ بقطار مزدحم وبجواره والدته وعلى تفاصيلها الشكلية الحزن وهي صبر أخاه الضئيل والذي لم يتعدى الأربعةُ سنوات صرخ الولد فضمته لتهدئه، شرد الطفل متذكرًا ما وقع منذ بضع ساعات لأبيه وهو يطل من وراء زجاج باهت على هذه الأعمدة المتلاحقة، تذكَّر أجدد ليلة بقرية (الحسنية) وكيف طُردوا جميعًا منها بدون رحمة، تذكَّر وهو مردود من مدرسته يحمل حقيبته المدرسية على ظهره متجهًا إلى بيته، يشاهد الرجال مجتمعين في هيئة المدينة ورجل ضرير يخطب فيهم، لم يكترث الولد الصغير لما يشهده في مواجهته فهو يفهم أنهم مجتمعون نتيجة لـ موت الصبية الضئيلة بالأمس يقولون إنها سُحرت، غير أن ما وظيفة فكره في ذاك الدهر هو شقيقه الضئيل، أقبل على ملتف الترعة ليمر على منازل طينية حتى يبلغ إلى منزلهِ، شعر بنوعٍ من الإجهاد النفسي في بيته فوجد أباه يسرع بوضع كتبه في نطاق حقيبته وأمه تهرول أيضًا في جمع ما تقدر أعلاه من لوازم المنزل، تَسَلَّل ضِمن قاعة أبوه فشعر به الوالد وابتسم ونفَر عما كان يفعله ثم قاربَ على (المعتصم) وهو يحمل في يديه خاتمًا بالًا ومجلدًا ضئيلًا، أدخل الخاتم في إصبع ابنه وبعد هذا فتح سحاب حقيبته المدرسية ووضع مجلدًا ورقيًّا ضئيلًا ثم نظر إليه وتحدث:

– إذا أتت نهايتي يا ولدي وأظنها قريبة لا تصدق ما قيل عني، وأنا لست بملاك ولا شيطان ولكني أرغب أن أقول لك نصيحة، الناس يا ولدي في بلدتنا تلك يصنعون نار الشر وينَفَخون فيها حتى تركب وترتقي لتحرقهم وبعد ذاك يحاولون إطفائها، إلا أن ليس كل مرة ستُهدأ النيران.. لقد أعطيتك ذاك الخاتم المجيد وتركت لك ذلك المجلد، فلو كان حظك غير حظي فستكون من المُبشرين.