رواية عبيل – نذير الزعبي

2023-04-08

رواية عبيل – نذير الزعبي يمنحنا نذير الزعبي في تلك القصة واحدة من أجمل الشخصيّات الروائيّة السوريّة في هذين العقدين: عبيل الذي لا يشبهه واحد من، الضخم الحجم الذي يحط قدماً في وحل حياتنا وقدماً في عالمه الحلميّ الشفيف، في حين رأسه ثمة في الأعالي، إذ نبدو كلّنا هنا في الأدنى، كلّنا من دون استثناء، كائنات ضئيلة متشابهة رتيبة مضجرة كالذباب.

نقرأ القصة، ونعيد قراءتها، فلا نعلم على الإطلاقً ما لو أنه نذير الزعبي هو مَنْ كتب عبيل وحكايته، أم أنّ عبيل هو الكاتب الفعليّ. لا نعني هنا الكليشيه المقيت بصدد الشخوص التي تتملّص من يد كاتبها، لكن الشخصيّة التي تتطوّر بتطوّر قصتها وتعيد خلق نفسها وحكايتها وكاتبها. لا من الممكن أن تكتب عملاقاً فريداً برواية كلاسيكيّة، وبذا كانت النتيجة قصة تسرد حكايتين متوازيتين بأسلوبين مختلفين، تتخلّلهما مراسلات كالأحلام يكتبها عبيل لـ «ملاكه الطينيّ». هذه المراسلات هي ابنة شذرات الزعبي الشعريّة القديمة، وقد أمست حالا لوحات قصصيّة جميلة تسند فصول القصة، وتحميها من التشظّي والانفراط.

تطولّ الحكاية بحكايتيها على منطقة خمس أعوام إلى حد ماً، تولد فيها حكايا متوازية ومتقاطعة، تُرسَم فيها لوحات تنجب لوحات، تبدأ فيها رحلة هشام الأسعد الصحافيّة وتنتهي، يتابع فيها الناس الهامّشون حياتهم الرتيبة في واقعٍ خانقٍ لا مفرّ منه سوى بالبوح وكؤوس الشاي، يوجد الفقير فقيراً والغنيّ غنياً، توجد الشوارع السوريّة على إيقاعها الرتيب الذي تقطعه في بعض الأحيانً سيّارات البيجو البيضاء الأمنيّة التي ستتحوّل إلى مرسيدس في أعقاب إتفاق مكتوب من إنقضاء القصة، ينشد من كانوا بسطاء ومساكين إلى الملاءمة والتعايش في دنيا الوحوش التي يحاولون عبثاً اقتحامها بدون أن يتلوّثوا، تبزغ روايات الحب وتزول، تكبر الأسرة ويتفرّق أفرادها، يصدر كلّ ذلك عن طريق عدسة نذير الزعبي البارعة.