رواية حقيقة – كولين هوفر

2022-10-28

أسمعُ صوتَ تهشّمِ جمجمتهِ قبل أن يبلغَني رذاذُ الدّم. أشهقُ ثمّ أخطو خطوةً حثيثةً إلى الوراء صوب رصيفِ المشاةِ. قدمي تغوصُ، وكعبُ حذائي لا يشطبُ السيرَ برفقتي ما يجعلني أمسكُ بوتدِ رمزِ محظور النهوض خوفاً من ضياع التوازن. كان الرّجلُ يقفُ أمامي منذ ثوانٍ لاغير. وكنّا بين حشدٍ من النّاس ننتظرُ أيقونةَ العبورِ بغية تومضَ، حين فجأةً اجتازَ الرّجلُ الشّارعَ مبكرِ، ما تشتمّبَ باصطدامِ سيارة نقلٍ مسرعةٍ بجسدِه. اندفعتُ إلى الواجهة أحاولُ وقفَه، لم أستطعْ الامساكَ بشيءٍ، وشاهدتُه يهوي أرضاً.

أغمضتُ عينيّ قبل أن يصبحَ رأسَه أسفل العجلةِ، بلّني سمعتُ شيئاً يطقطقُ كصوتِ فلّينةِ الشامبانيا. اللّومُ، كلّ اللّومِ، يحدثُ على ذلك الرجل، حيثْ كان ينظرُ لامبالياً إلى تليفونه الخليوي، ربّما لأنّه كان قد عَبرَ الشّارعَ ذاتَه مراتٍ متعددةً من قبل، بلا سقوطِ أيّ حادثٍ له. لعلّه الوفاةُ بتصرفِ الرّوتين. الناسُ يشهقون مثلي إلا أن لا واحد منَ يصرخُ أو يرفع صوته. قائد سيارةُ سيارة النقلِ المعتديةِ يثبُ من وراء مقودهِ ويجثو، مباشرة، في مواجهة الرّجل المسجّى. أبتعدُ بشكل بسيطً عن المرأىِ بينما عددٌ من الأفراد يتدافعون صوب الواجهة يرغبون المعاونة.

لم أكن بحاجةٍ لأن أنظر إلى الرّجلِ الممدّد أسفل العجلة لأعرفَ أنه لم ينجُ من الحادث. كان يكفي أن أنظرَ إلى قميصي النّاصع البياض –بقعُ الدّم تلطّخُه هذه اللحظةَ– لأعرفَ أنّ نقّالةَ النعشِ تفلحُهُ حالا أكثر من عربةِ الإسعافِ. أدورُ بخصوص نفسي مسعىً البقاء بعيداَ عن الحادث –علّني أجدُ مقراً أتنفّسُ فيه الصعداءَ– إلا أنّ مغزىَ المرور، هذه اللحظة، تقولُ «اعبرْ»، وجمهرةُ النّاس تولي انتباههاُ إلى الضّوءِ الأخضرِ ما جعلَ السباحةَ ضد التيار والرجوع إلى الخلف أمراً مستحيلاً في خضمّ ذاك النهرِ المتدفّقِ من سكّان مانهاتن. القلائلُ من ضمنهم لا يرفعُ بصرَهُ عن جهازِهِ الخليوي، في طوال العبورِ قرب موقعِ الحادث. أتوقّفُ عن السّير صوب الواجهة، وأنتظرُ لِكَي يخفَّ المتابعينُ. أُلقي نظرةً إلى الخلف صوب سيارة النقل، وأتجنّبُ بصيرةَ الرّجل المسجّى ثمة. قائد سيارةُ الشّاحنةِ يقفُ هذه اللحظةَ وراء مؤخّرة سيارته، ويرمقُ هاتفاً خليوياً بين يديه.