رواية جائزة السيدات – جولا كرودي

2023-01-11

رواية جائزة السيدات – جولا كرودي الشيطان الذي يتسيّد فوق العالم بأسره، أتى يوما ما إلى بست، ووجد مخفيً في بيت ملتزم تم دفنه الموتى. وبعد وسط النهار لاحظ الملتزم أن شيئاً في المنزل ليس على ما يرام.
بدأت مفروشات البيت تبدي ممانعة؛ فلم يطاوعه الكرسي الذي نشد أن يضعه في موضعه المعتاد منذ خمسة عشر عاماً، ورفضت أقفال الخزائن والدروج أن تقوم بالخدمة الموكلة إليها. واشرأبّ منحى الناجعة الكرسيُّ الضئيل (الذي اعتادت قرينة الملتزم أثناء عمرها، أن تمدّد فوقه قدميها، حينما كان لها رجلان) وتسرح ذابلة في فناء الأزهار الكئيب وجدرانه الحزينة وسياجه المهجور. اشرأبّ الكرسي مثلما يقفز على قوائمه كلب كان مستلقياً، ويشرئبّ على ساقي عابر السبيل. وتدلّت ستائر الدانتيل القديمة بدون معنى على النوافذ، وألقت واصلّاً شبحيّاً في الحجرة. كان واصلّاً أشبه بظلّ دخان، أو إستمرّ رياح تهبّ فوق الحقول. غير أن لا أثر هنا لدخان أو رياح. الجهامة التي خيّمت على البيت في ذاك الدهر القادم قبل أوانه من مدة العصر، أربكت الببغاء الذي وضعه ملتزم الدفن في قفص، وقد كان فخوراً بمعلوماته الإنكليزية.
أول ما فعله الببغاء في تلك الجهامة أنه راح يطلق السباب باللغة الإنكليزية، ثم تنفيذ يقلّد بكاء الأطفال، وفيما بعدً، وسط دهشة الملتزم، راح يتحدث باللغة المجرية: نطق أسماء كان قد سمعها في الماضي، وحفظها، ذكر الببغاء أسماء خادمات حافيات سابقات، وهو ينفش ريشه، ويؤرجح ذاته باضطراب يمنةً ويسرةً. ذكر اسم بيرتا، واسم أولغا اللتين مثلتا سابقاً الجنس النسائي في بيت الملتزم، وكانتا تسرحان شعرهما الطويل وتجلسان بخصوص الطاولة، وتضربان وتنفضان المخدة قبل الغفو؛ امرأتان كانت تنانيرهما المتيتّمة في الخزانة، تحتفظ برائحة نسائية نوعية، رائحة الباذنجان والطحين، وعبير المسك. أنذر ملتزم الدفن الببغاء أنه سيصفعه، ونظر بارتباك إلى عقرب ساعته الذي راحت يد خفيّة تديره إلى الواجهة. لم يبقَ عنده إلا يسير من الزمن ليبدّل ملابسه ويذهب إلى مراسيم الدفن عصرا.