قريبا
أخر الأخبار

رواية بيت في الدنيا وبيت في الحنين – إبراهيم الكوني

رواية بيت في الدنيا وبيت في الحنين – إبراهيم الكوني

كان يروض بناي القصب لحناً عصياً من لحون الحنين في خلوة العشية حالَما باغته حكيم الجن. لوعته الوحشة في عزلة المراعي، فخاض في أوحال المستنقع المتخلف عن غدران الأمطار الجارفة ليستقطع من عيدان القصب ساقاً دبر منه ناياً لئيماً نعته حكماء الدعاة فقالوا أنه الماكينة الوحيدة في الصحراء التي تمَكّنت أن تحتال على الخفاء، وتستجدي من أركانه معشوقاً اسمه الحنين. قبل أن يعارك ساق القصب لاستدراج الحنين، احتال على المجهول، وسعى طويلا أن يستجلب الحنين بالصوت، بالأغاني، إلا أنه أخفق باستمرارً، فلم يجد مفراً، للتنفيس عن كربته، غير الدموع.

استلقى على قفاه مراراً، في أعقاب كل إخفاق، وتطلع إلى السماء اللامبالية بعينين مغمورتين بالدموع، فلا يكتشف أنه لم يحضر في الرحاب أكثر الأمر الذي يقتضي سوى حالَما تلسعه شمس الفجر بسياطها النارية، فيجد أن غيبته لم تستغرق الليل كله وبحسب، غير أنها استقطعت نصيباً من نهار الأمس ايضاًًً. وقد كان في العادة يتساءل عن سر الإغفاءة، لأن أحداً لم يعلِمه يوماً أن الهم إذا ارتفع عن الحد يمكن أن يشكل سبباً لهذا الجنس من فقدان الوعي. مثلما لم تستثر الدموع في مقلتيه زهوله ايضاً، لأنه.

لم يذكر ذاته سوى باكياً: إذا استصغره الأغيار إنتحب، وإذا استكبروه كذلكً إنتحب، وإذا أبصر الفراخ الجرداء في أعشاش الطير زعزعه الشوق وبكى. إلا أن لا يبكيه شيء مثلما تبكيه اللامبالاة القاسية في معشوقتيه الخالدتين: السماء وقرنيتها السفلى الصحراء.

عاهد ذاته أن يحتمل جميع الأشياء، غير أنه أخفق باستمرارً في الصدد في مواجهة مشهد الصحراء ومرأى السماء، فكان يغسل مقلتيه بأنبل وأحر أنواع الدمع مع مستهل كل شمس، لأن سليل الصحراء، ومعشوقته الأخرى السماء.

أقرأ أيضا

كتب من نفس القسم

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock