رواية المحصول الأحمر – جورجي أمادو

2022-09-09

لم يفترّوا من البصر بإعجاب إلى النهر ليس مارتا وفانسنت فحسب وإنما جميع الآخرين الذين جاؤوا من هذه البلاد والمدن، إذ كانت الأرض، جراء قلة المياه، متصحرة وناشفة، ولم يبق إلا الحيوانات الشرسة، والإنسان الأكثر عنفاً. لقد كانوا متكئين على الدرابزين يتبادلون قليل من المفردات، وقد كان صميم حديثهم يتركز بخصوص ما يمكن القيام به من أعمال تجارية في سان باولو. لم يكن يتنبأ واحد من من ضمنهم أن يحصلوا على الملكية ببساطة، بل ما كانوا يأملون به هو أن يكون موجوداً، وألّا تكون الأرض ناشفة، ومن العصيب الحصول أعلاها بالقدر الذي كانت فيه الأرض التي غادروها لتوّهم”.

فبعد أن طردوا من المزارع التي جرى بيعها، نهض المستوطنون بهجرة عبر سهول السرتاو الناشفة، هجرة لم تلبث أن اتخذت أبعادَ ملحمةٍ حقيقيةٍ… لقد كان عليهم أن يواجهوا! الجوع، الداء، الكشافة، وأيضاً هذه العصابات التي تفرز البأس، والتي من الممكن أن نصادفها، وفي النهايةً الوفاة. وبالقدر الذي كان يقلقهم فيه الجوع، فإن هؤلاء السيدات والرجال مهجوسون بالمنام بألدورادو إذ أنّ تصوراتهم عن سان باولو كمدينة ما تزال غير واقعية، وعليهم أن يبلغوا إليها وتتملكهم الرغبة الجامحة وهم على أسمى حال.

جورجي أمادو هو أحدث الروائيين العالميين الذين تطلق عليهم خاصية الموسوعيين مثل أساطير الحكاية التقليدية؛ ليون تولستوي، فيدور دوستويفسكي وتوماس مان وآخرين. فلم يدع علماً أو فنّاً إلّا وأساليب بابه، ولا وظيفة سوى وخاض غمار البحث فيها بخبرة المعلّم ذي العين المشاهدة النفّاذة، فكان أدبه الروائي موسوعياً غنيّاً بعوالم شتى، إلى الدرجة التي يمكن الاطلاع على يدها على حياة الإنس في غير مشابه طبقاتهم الاجتماعية ومهنهم المتنوعة، في نسيج تأتلف فيه الوقائع مع الأشخاص في أسلوب واقعي حتى ولو وظّف الوهم في بعض الأحيانً لإثراء السرد والعوالم التي تحويها حكايته، كمراقب لمسار الحياة المتنوّعة، في بيئات يصبح تنافرها موضوعاً لغنى تلك الحكاية