رواية الحكروب – عصام راسم

2022-09-09

صرحت لي والدتي عن “الحكروب” أنه في المصدر امرأة ضخمة، خلقها الله لرجل هائل، ولما وافته المنية رجُلها، حزنت المرأة ويبُسَت، وتسرَّبت دماء الحياة من عروقها وتحوَّلت إلى منطقة جبليةٍ بغير رُوح، وقالت إن جدتها كانت تروي لها عن مصرع الرجل العارم، وكيف تهاوى وانقلب إلى ماءٍ ملاحقٍ في تجاويف الأرض!
أفادت إن الرجل كان يحب الشمس، وقد كانت الشمس في البالي أعظم وأكبر من حاليا، وبما أن يقعد تحتها مستديمًا ويذهب “ببوزه” المارد ويبوس نارَها البهيَّة، مع الأيام العديدة بدأ أيضًا ماؤه يتبخَّر ويتزايد منه ويصنع غيومًا بمساحة الكون، ثم اختفى تمامًا، وبعد زمن، هبط في منظمة أمطار جارفة عديدة، وراح يتقصى عن قرينته العارمة، ووقتما عرف أنها جفَّت وتحوَّلت إلى منطقة جبلية، شدَتْ السُّيول وحفرتْ مجرًى بقُرب المرأة المنطقة الجبلية، وصرتْ السُّيول نيلًا طويلًا دائرًا في البلاد يشكي حزنَه للضِّفاف. لذا، وكل قليل من سنين يتدنى السَّيلُ من أعلى أوج الحكروب ليُعيد إحياء ذكرى المرأة المنطقة الجبلية في خياله.
حتى الآن رجوع المقاتلين من تشرين الأول الكبير، وفي صعيد جمهورية مصر العربية، الذي شهد قبل أعوام غير بعيدة إنشاءَ المشروع الأكثر أهمية، السد العالي، بسواعد نفس الوجوه التي شيّدت المعابد القديمة، بدأت التيارات التي ناصبتْ هذه الحضارة العداءَ على طول الخط، جهادها لتغيير تلك الأرض لبؤر إرهابية خطرة حتى على أبنائها.. تُرى هل ينجحون؟