تحميل رواية أيام البلاد – وليد سيف

2023-10-14

تحميل رواية أيام البلاد – وليد سيف

ما كان لتباعد المسافات بيننا أن ينسيني ذكره في جميع حين. ولا زلت أقصّ على أولادي من أنباء شجاعته وتضحياته وبطولاته أيام كان زعيم فصيل حطين في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936- 1939). وكنت أكرر الخطبة على مسامعهم عن فضله على الأسرة وعليّ أنا بشكل خاص. فلولاه لما وصلت ما وصلت من العلم والمركز الأكاديمي الذي أتمتع به حاليا في أميركا، وبما أن أولادي حالا يحصدون ثمار التفوق الذي تحقق لأبيهم في أعرق الجامعات الأمريكية والمراكز العلميّة المرموقة، وهو المقبل من قرية ضئيلة شمال فلسطين، ومن منزل طيني بسيط. بلى، كان باستمرارً «أبو الأسرة» وفخرها، وإن لم يصب من العلم سوى طفيفاً، وانتهى إلى حياة المخيمات، ولم يحتسب يذكر كفاحه سوى قليل من من عاصره أيام فتوّته أو عرفه عن قرب.لا، ما كنت لأغفل عن شيء من ذاك.

إلا أن، لكأن مفارقات الأقدار قد شاءت تلك المرّة أن تستحضره في وجداني ومخيلتي تلزمني التواضع في مواجهة صورته المعلّقة على الحائط. فإذْ عدت إلى منزلي في نيو جيرسي في أعقاب ختام قرارات تكريمي بجائزة عليا من الأكاديمية الأمريكية للعلوم والتقنية، رنّ جهاز المحمول، وقد كان على الناحية الأخرى ابن أخي حسَن يتكلم من طولكرم في الضفة الغربية المحتلة، يعلمني أن أباه -أخي الأضخم أبو خيّر قد اشتد به الداء، وأنه يذكر اسمي في هذيانه. ولم يزد على هذا. فأدركت أن الموضوع أقوى من وصفه. فالعادة لدينا أن يموه الناس ما استطاعوا على الخبر الهائل حين يخبرون به الغائب البعيد.

وفي اليوم اللاحق كنت في الطائرة إلى سيطرّان، ومن سيطرّان قطعت الكوبري على مجرى مائي دولة المملكة الأردنية الهاشمية إلى طولكرم.

أدركته في النَّفَس الأخير. وجلست بجانب سريره. وبصعوبة بالغة فتح عينيه بشكل بسيطً ونظر إليّ دون أن يكون بوسعه أن يقول شيئاً. إلّا من حشرجة هزيلة. نظر إليّ نظرة غائمة، ثم لاحَ طيف ابتسامة على وجهه. أخذت يده وقبّلتها، ثم تقدّمت برأسي نحوه وهمست: «أنت أبونا وتاج راسنا. ولولاك ما كنت شيئاً». ثم أغمض عينيه إغماضة الأبد.

تحميل رواية أيام البلاد – وليد سيف