يأكل الكتاب مساحة من العالم تحوي معها خمسة وعشرين بلداً تبلغ بينها منطقة بحرية واحدة تتصل فوق هذا بالمحيطات عن طريقدروب ومضائق، ما يهبهاضرورةتخطيطية خاصة، ويمتاز الكتاب بشموليته ويرنو إلى تعميق الإدراكعند القارئ بالمشكلات الجيوسياسية وبالمخاطر التي تنطوي فوقهاوهذا لقناعة وطيدةعند المؤلف بأن التفكير العقلاني بتلكالمشاكل ليس حكراً على المتخصصين والمسؤولين الساسةفحسب، إلا أن هو قضىيقصدالمدنيينسوياً ومن الجوهري أن يعي هؤلاء مجال تعقيد وخطورة قليل منالمشاكلاللائحة في بلدان بعيدة عنهم نسبياً مثلما في ضِمن بلدانهم لأجل أن يتمكنوا من محفل التهديدات أو الإجابات المطروحة التي من الممكن أن تكونفي بعض الأحيانً أخطر من المشاكلنفسها.
كتاب الجغرافيا السياسية للمتوسط – إيف لاكوست
يستعرض الكتاب صراعات التأثير في تلكالمساحة من العالم التي تتشابك فيها المشاكلوتتنافى المصالح، لكن أهميته تندرج في أنه ينقد الصورة الروتينية التي تردّ تلك الصراعات إلى التنافي بين ضفتي الوسطي، ويدحض النظرة الثنائية التبسيطية التي تحط دول في شمالالمعتدل في محفل دول جنوبه، وهي نظرة يتبناها منظرو المناحرة بين الحضارات وبين الديانات الكبرى، هذا أن المؤلف يلفت على أن الحضارات ليست كتلاً متجانسة ومن ثم فلا يمكن اختزال الصراعات على السلطة بداخل منطقةالمعتدل في التنافس بين العالمين الإسلامي والمسيحي، لكن إن الحملات الصليبية ذاتها في العصر الوسيط لم تكن بتلك البساطة إلا أن كانت ترجع إلى عواملغفيرة لا إكتملت إلى الدين بصلة.
كتاب الجغرافيا السياسية للمتوسط – إيف لاكوست
وكما أن التعليم بالمدرسة تنطلق من الواقع الجغرافي لمنطقة المعتدلايضا ترتكز الى معرفةالزمان الماضي لأن الفكر التأريخي والمنهج التحليلي الجيوسياسي توأمان لا ينفصلان. فهي تنشد الى تكوين وعى للصراعات الراهنة يقوم على خلفية الربط بين المقار التي تحتلها تلك الصراعات على الخرائط وبين فحص للنتائج الراهنة لأحداث حصلت في السابق البعيد أو القريب. وذلك ما يضفي على الكتاب الطابع الموسوعي حيثيؤلف بين كل فصل من فصوله الثمانية عشر بيانات غنية عن تاريخ تكوين كل جمهورية من الدول وعن مشاكلها الداخلية والخارجية، بحيث يمكن اعتباره وفي نفس الوقت كتاباً في الجغرافيا السياسية وفي الزمان الماضي وفي معرفةالمواجهة السياسي، فهو يستحضر المنصرم ويقرأ الحالي ويستشف المستقبل.